بعد ان خرج من عند منصورة زوجة جرجس ترزيخان، ذهب ممدوح برفقة دليلهِ (حنا بن نصري) الى دار رزق الله كزى، من جماعتنا الكلدانية ايضا. وطلب منه زوجة اخيه منصور ـ العروسة الشابة ـ كان زوجها قد اقتيد (واستشهد) ضمن المجموعة الأولى، (بحجة) ارسالها عند زوجها. فنقده رزق الله اربعين (ليرة) من الذهب، فأخذها وولى. ولما ظن ممدوح، بأن الكمية التي اخذها من رزق الله، هي قليلة، عاد اليه ثانية وثالثة، حتى اخذ ضعف ما كان قد اخذه من الذهب. كما وانه ارسل لأحضار جرجس شوحا وابن عمه الياس، وهما كلدانيان ايضا. كانا ضمن المجموعة الثانية، وعادا الى داريهما بسلام (كما ذكرنا عن قسم من المجموعة الثانية في الفصل الخامس). فقال للأول: سلم لي زوجة اخيك جبرائيل ـ وهذا استشهد ضمن المجموعة الأولى ـ واطفالها، لأخذها لدى زوجها. أما للثاني فقال له: هاتِ عروستي شقيقيك عبدألأحد وفريد، اللذين كانا مع المجموعة الأولى ايضا، مع اطفاليهما. فاعطاه جرجس مائة دينار، بعد ان اقترضها لقاء فوائد. اما الياس فقد اعطاه مائتين، فاخذها. غير انه وبعد ايام معدودة، عاد الى الياس، يطلب المزيد من المال، معتبرا المبلغ الذي اخذه منه غير كاف، لأن الياس رجل ثري. فلما رأى الياس بأن لا مناص من اطماع ممدوح، حتى يأتي على كل ما يملكه، ترك داره وفرَّ هاربا الى جبل سنجار، حيث بقي حتى استقرت الأوضاع، ثم عاد الى داره. ان الياس بن نيقولا هذا، كان من اشراف جماعتنا الكلدانية، استشهد شقيقاه ضمن المجموعة الأولى. كانا وسيمين ومثقفين جدا. أما الياس وابن عمه جرجس، فقد اخذا ضمن المجموعة الثانية، لكنهما عادا بسلام بعد ان أخلي سبيلهما بفضل أمر الحاكم (كما ذكرنا في الفصل الخامس)، فكتبت لهما الحياة من جديد. ثم اخذ ممدوح من كل من نصري سفير وملكي شنخور (وهما) من وجهاء البروتستانت، مبلغ مائتي (ليرة) من الذهب. أما من ابناء طائفة السريان الكاثوليك، فقد جمع الف (ليرة) من الذهب. ومن دير مار افرام العائد للسريان الكاثوليك، أخذ خمسمائة (ليرة) من الذهب، ناهيك عن الودائع وألأمانات الكثيرة التي كان الأرمن قد اودعوها في الدير. فطغى ممدوح بذلك الكم من الذهب الذي جمعه وتبختر . أما البيوتات التي طلب منها الذهب ولم تعطه، كبيت معمار باشي وبيت دوقماق، من ابناء طائفة السريان الكاثوليك، فقد صودرت دورهم وبيعت.
==الفصل الثالثالقسم الثاني ==
==Dالقسم الثالث ==
==Dالقسم الرابع==
==Dملحق شامل ==
في صيف عام 1921م، جاء الى ماردين قادما من اسطنبول الشيخ (ادريس) السنوسي ، وهو من (ليبيا) أفريقيا، ليقلد السيف لوحيد الدين. فخَيًّم خارج المدينة في موقع يدعى الفردوس. وفي الغد، حينما ذهبنا للسلام عليه، كما تقتضي الاعراف، رأينا هناك ايضا حاكم المدينة ورؤساءها ووجهاءها، والقس حنا الراهب الوكيل البطريركي لطائفة السريان الأرثدوكس وبصحبته كهنة طائفته. ان القس حنا الراهب قدَّم خضوعه وعبوديته بكلمته التي القاها في حفل استقبال الشيخ السنوسي. وأمام كل ذلك الحشد المجتمع هناك. واليك بعض ما جاء في كلمته: ’’اسمحوا لي ايها الشيخ الجليل، اذ باسمي شخصيا ونيابة عن الطائفة المسيحية القديمة (اليعقوبية)، بصفتي وكيلا بطريركيا عليها، ان اقدم لك العبودية والخضوع التي بها نجعل انفسنا جميعا عبيدا ذليلين وخاضعين لك مدى الحياة يا ايها السيد المبجل‘‘.==D==لم تكن لهذا الشيخ (السنوسي) اية سلطة او نفوذ، ولم تكن له اية اهمية في بلادنا، ولم يكن غير رجل غريب (لاجئ)، نفي من بلاده ولا يستطيع العودة اليها، بسبب الفتنة التي اثارها بين بلادنا (تركيا) والدول الاوربية. فحتى المسلمون الذين يحبون السنوسي، فقط بسبب االرابطة الدينية التي بينهم، لم يلقوا امامه اية كلمة ترحيب. ان اليعاقبة الذين هم مسيحييون بالاسم فقط، قد قدموا الخضوع والعبودية له وعلى مرأى ومسمع من أئمة وشيوخ المسلمين، رغم انه لا تربطهم به اية رابطة لا من قريب ولا من بعيد، مدنية كانت ام سلطوية. فبهذا العمل عزلوا انفسهم عن بقية الطوائف والشعوب المسيحية الاخرى، ووسموا انفسهم بوسم العبودية والذل، اذ لم يخجلوا ولم يستحوا او يرعووا من تقديم العبودية، وعلنا لشخص لا معرفة لهم به وليست لديه اية سلطة عليهم. لا بل انه رجل غير مؤمن وعدو لدود للديانة المسيحية. انهم فضَّلوا الاستعباد للوثنيين على اللجوء الى كنيسة الله لينعتقوا من العبودية. ان المسيح له السجود، وبمراحمه الواسعة، قد اعتقنا من نير عبودية الشيطان بموته، وكتب لنا الحرية بدمه. اما هم فقد قدموا رقابهم لنير عبودية الاشرار. هذه هي ثمار الهرطقة، اي عمى القلب، لأنهم تركوا نور الحق المتمثل في كنيسة الله وبقوا في الظلام، واستغاثوا بالذئاب كي لا تفترسهم، وبالأفاعي كي لا تلدغهم وتميتهم، وتركوا ما جاء في المزمور: 117: ’’الرب عاضدي فممن اخاف، ماذا يمكن للانسان ان يفعله بي؟ وكذلك قول المخلص: ’’فحتى شعر رؤوسكم محصى، فلا تخافوا (متى: 10: 30). بل وفوق هذا فقد بلغ بهم الأمر الى انه وفي يوم جمعة الآلام (العظيمة) الخلاصية، لا فقط سمحوا لعامة المسلمين بالدخول الى كنائسهم فحسب، بل حتى بتدنيس قدس الاقداس. وقد هيَّأوا فُرَقا من الرجال والنساء ليرتلوا في زياح ومراسيم دفنة المسيح التي لم تكن بحسب ما تقتضيه طقوسهم، بل كانت اكراما لحاكم المدينة وبعضا من كبارها الذين دعوا لحضور مراسيم اسبوع الآلام، حيث اجلسوهم في الوسط وعند المذبح الكبير الذي في كنيسة الاربعين شهيدا، هذه الكنيسة التي هي كنيسة الكرسي البطريركي، مثلهم مثل المشعوذين الذين يتباهون بهذه الافعال المشينة، بدلا من ان يخجلوا منها. وفي صيف عام 1924، ذهب بطريركهم مار الياس عند جماعة من المسلمين في بيوتهم في ماردين، بعد زيارته لوحيد الدين، السلطان المخلوع، وقابل رجلا اسمه حمدالله بيك الذي من صاور، ملتمسا منه بأن لا يطلب ولا يوافق على بيع اراضي واملاك قرية قِلَّت التي هجرها اهلها اليعاقبة. ومضى يقول: اننا نحن المسيحيين القدامى (اليعاقبة)، مواطنون موالون للمملكة العثمانية منذ القدم واننا نرعى الأيتام وخاصة المسلمين منهم، ولسنا كبقية الطوائف المسيحية الأخرى، خونة وموالين للدول الأجنبية. وفيما لو صدر كذا امر، فليقتصر على بيع اوقاف اولئك المسيحيين، وان لا يشمل اوقافنا نحن (اليعاقبة). قال هذا الكلام بحضور رجل ارمني كاثوليكي يدعى حنا طاسياس، وهذا الرجل جاءني وابلغني بما سمعه بأذنيه. فتمعن ايها القارئ اللبيب الى اي مدى بلغت كراهيتهم وعداوتهم لبني قوميتهم وديانتهم.اختتم مؤتمر السلام الذي عقد بين الأمم الأوربية وتركيا يوم 24/ تموز/ 1924م، فعمت الفرحة ابناء مدينة ماردين، فذهب البطريرك (مار الياس) ليهنئ ويمتدح سعادة القومندار خدر بيك في داره، حيث كان يرقد بسبب مرضه، فسأل (خدر بيك) البطريرك قائلا: ماهي ردة فعل المسيحيين بهذا السلام، وهل فرحوا ام لا؟ اجابه البطريرك: لقد غمرتني الفرحة انا وابناء طائفتي، اما بالنسبة لباقي الطوائف المسيحية ألأخرى، فقد اكتنفها الحزن، لأنها كانت تأمل بأن تكون هذه المدينة تحت الانتداب الفرنسي. والآن وبعد ان اختتم المؤتمر اعماله، فقد تلاشت آمالهم، لذا فهم غير مسرورين. فانتشر الخبر في مدينة ماردين كلها وكذلك في اطرافها، والذي مفاده، بأن الكاثوليك غير راضين عن السلام، وبوجه خاص انتشر هذا الخبر بين العساكر، الذين اخذوا يتحينون الفرصة للقضاء علينا وازالتنا من على وجه الارض، وهذه كانت رغبة اليعاقبة، الذين كانوا يعملون بجد لتحقيقها. غير ان الذي يحفر البئر لصاحبه، فهو الذي يقع فيها.بعد ايام قلائل من ابرام اتفاقية السلام، قتل مائة وخمسون جنديا فرنسيا مع آمرهم، في قرية بياندور القريبة من نصيبين، من قبل فوج مؤلف من عرب وأكراد زاد عدد افراده عن ثلاثة آلاف جندي، فبعد ان سلبوا كل تجهيزات القتلى الفرنسيين. وفي طريق عودتهم من تلك المذبحة، القوا القبض على من وقع بأيديهم من اهالي قرى الآشتيين الرابضة على سفح جبل نصيبين، والذين كانوا قد نجوا من اضطهاد عام 1915م، وسلبوا ممتلكاتهم. كان جميع اهالي تلك القرى من اليعاقبة، والآن ماذا يقول بطريركهم عن هؤلاء المساكين الذين لم ينعموا بالسلام؟==D==في مطلع عام 1923م، أُعفي رؤساء المسيحيين من مجلس الادارة، بمقتضى امر صدر من انقرة. وفي بداية سنة 1924م، ارسل حاكم المدينة رئيس كتابه الى بطريرك اليعاقبة، معلما اياه بأن لا يأتي الى دار الولاية بصفته الرسمية. واذا لزمه امر ما للمجئ، فعليه ان يأتي وحده كشخص من عامة الناس، ودون ان يرافقه أحد عدا شماس واحد لاغير. وعند تقديمه لاي طلب، لا يحق له تذييله بتوقيعه كبطريرك، كما كان يفعل في السابق، بل عليه تذييله بالراهب. ذلك لأن السلطات التركية الجديدة لا تعترف بلقب البطريرك على اراضيها. وقصارى القول، فانه من الآن وصاعدا يكون مثله مثل رجل عادي، كعامة الناس في نظر الدولة.في 6/ شباط/ 1924م، أعلن المنادي في ماردين، أمرا صادرا من انقرة مفاده: ان يكون يوم الجمعة من كل اسبوع، من الآن وصاعدا، عطلة رسمية. لا يجوز العمل فيها باي شكل من الأشكال. وكذلك على الاسواق والحوانيت ان تغلق ابوابها ايام الجمع كلها. والمخالف سيعرض نفسه للعقوبات مع دفع غرامة تبلغ قيمتها خمسمائة قرش. وقد التزم المسيحيون بهذا القرار مرغمين، ونفّذوه بكل حذافيره، وبموجب هذا الأمر غير العادل، اضطررنا الى نقل كافة الأعياد التي تصادف اي يوم من ايام الاسبوع، الى ايام الجمع أو الآحاد. ذلك كي لا يتعطل المسيحيون ثلاثة ايام في الاسبوع، لأن يوم الأحد في ماردين كان ايضا عطلة رسمية، غير انه لم يكن كذلك في آمد. لذا فمسيحيو آمد يعطلون ايام الجمع فقط.في نهاية كانون الثاني من عام 1924م، استولى العسكر على دار بطريركية السريان الكاثوليك، وعلى كنيسة مار يوسف التابعة للأرمن الكاثوليك. مع جميع موجوداتهما وممتلكاتهما، وكذلك على دير الزعفران الذي كان مقرا لكرسي بطريرك اليعاقبة، غير ان هؤلاء افتدوه بكمية من الذهب، فاستعادوه.==D==في شهري تشرين الأول والثاني من عام 1923م، استولى العسكر في مدينة آمد على كنائس كل من الأرمن الكاثوليك والأرثدوكس والكلدان والسريان الكاثوليك والبروتستانت، مع جميع محتوياتها. ومنذئذ صمتت دقات النواقيس في تلك المدينة. وقد وضعت السلطات يدها على جميع الأوقاف التابعة لهذه الطوائف التي داخل المدينة وخارجها، وحتى اوقافنا التي في مدينة ميافرقين وكذلك على كنيستنا التي فيها. هذه الكنيسة التي كان قد شيدها البطريرك مار عبديشوع خياط، كما اسلفنا. وذلك ايام كان رئيسا لأساقفة آمد. وكان قد شيدها بحجر منحوت على اسم مار يوسف. ومنذئذ حولها العسكر الى مستودع. أما كنيستنا التي في آمد، والمشيدة على اسم مار فثيون الشهيد، وكل ملحقاتها مع المدارس، فقد استولت عليها السلطات يوم 22/ شباط/ 1924م، فتبدد الجمع وتاه المعلمون والمتعلمون والكهنة. اما بطريرك اليعاقبة فقد وعظ شعبه ومن على منبر كنيسة الأربعين شهيدا، بأن يقدسوا الأشهر الثلاثة التي تسبق شهر رمضان، مقتدين بالمسلمين. كما امر في كنيسته أيضا بان يقدسوا يوم الجمعة ويحرصوا عليه، وكأن هذا الأمر صادر من الله والذي ثبته الرسول (مار بولس)، الذي يقول: ان كل نفس تطيع السلطات لأن لا سلطان إلا من عند الله . وفوق هذا كله، فانه أخذ القرآن ووضعه فوق راسه وبكل وقار، وجعل نبي المسلمين نبيا له ولطائفته. فبهذا لم يفرق بين السلطة التي تُقيِّد والسلطة التي تحرر. وفي بداية شهر آذار/ 1924 صدر امرٌ من انقرة جاء فيه: لا يسمح للمسيحيين بيع دورهم ولا اراضيهم . ان هذا الأمر لم يكن بجديد، بل كان صادرا منذ اعلان الجمهورية التركية، غير ان اعلانه كان قد ارجئ حتى انتهاء اعمال مؤتمر لوزان للسلام. وان هذا الأمر كان يخص الأرمن والروم فقط، ولا يشمل بقية الطوائف المسيحية الأخرى.في 3/ آذار/ 1924م، صدر مرسوم، يقضي بالغاء الخلافة، وعدم المناداة باسم الخليفة خلال الصلوات، وبطرد جميع افراد عائلة آل عثمان والذين صاهروهم ايضا، اضافة الى خدمهم وعبيدهم، ونفيهم الى خارج البلاد. وقد بلغ عدد المنفيين مائة وعشرين شخصا.في 12/ آذار/ 1924 ضُبط دير مار افرام للسريان الكاثوليك، ونزل فيه آمر الخيالة ورجاله. وفي ذات اليوم، طلب منا رئيس المدينة (ماردين) بأن نسلمه كل ملحقات كنيستنا ليحولها الى مقر للاستخبارات، لكنه حينما طلبنا منه العدول عن طلبه، ذهب واستولى على دار اسقفية ألأرمن الكاثوليك الملاصقة لكنيستهم، وكذلك على كل ملحقاتها، ومن ضمنها مدرستهم، غير انه ترك كنيستهم، التي كانت قد جددت مؤخرا. فترك بعمله هذا ملحقات كنيستنا ولم يستولِ عليها. غير ان قسما من مدرستنا كان قد هدم سنة 1916م، وكذلك اسوار الدارين المحاذيين للشارع. وهذا الأمر ضايقنا جدا، حتى اضطررنا ان نرسل اولادنا الى مدرسة الأرمن ونُساهِم في نفقات المدرسة مناصفة. وفي اليوم الذي استولت فيه هذه السلطات على تلك المدرسة، تبدد ايضا شمل المتعلمين والمعلمين من كلتا الطائفتين.==D==في فجر يوم 22/ نيسان/ 1924 الذي صادف الثالث من ايام القيامة، أبرقت برقية سرية من انقرة الى حاكم مدينة ماردين جاء فيها: يجب طرد المسيحيين جميعهم من ماردين وضواحيها. ان هذا الامر لم ينفذ، ولا علم لنا بالاسباب التي ادت الى عدم تنفيذه.في شهر ايلول 1934م، هدمت كل غرفنا (التي كان يشغلها الفرع، كما جاء في الفصل الثاني من القسسم الثالث)، وبهذا زال عنا ثقل وضيق شديد تحملناه ليل نهار، بصبر وجلد لا يوصف، مدة احدى عشرة سنة.قرية ديركي:هذه القرية هي الآن تابعة لماردين، وهي مركز قائممقامية. كانت فيها اربع كنائس، واحدة للأرمن الأرثدوكس والثانية للأرمن الكاثوليك، والثالثة لليعاقبة، اما الرابعة فكانت للسريان الكاثوليك. وفي شهر آب/ 1924م، صدر امر من انقرة يقضي ببيع تلك الكنائس لعامة الناس. وقد حورت كنيسة الأرمن الكاثوليك وجعلت جامعا. ومن بين أوقاف تلك الكنائس كان يوجد بستان زيتون تعود ملكيته لكنيستنا الكلدانية في ماردين، وقد بيع هو الآخر مع جملة ما بيع من اوقاف تلك الكنائس. أما اهاليها من المسيحيين، فكان مصير غالبيتهم الطرد والتهجير، ولم يبقَ فيها من المسيحيين غير بيوتات قليلة من الأرمن واليعاقبة.قبل سنتين ذهب الى ديركي وكعادته، كاهن يعقوبي، من ويران شهر، ليزور ابناء طائفته، فطرده القائممقام، ولم يسمح له بزيارة رعيته.في خريف سنة 1924م، أمر مار الياس بطريرك اليعاقبة ، منح ابن اخيه بركة الاكليل (الزواج) في كنيسة كرسيه، نهارا بعد ظهر يوم الأحد. رغم كون العادة الجارية في هذه المدينة منح بركة الاكليل ليلا، وفي الدور وليس في الكنيسة. وعليه فهذا الحدث كان غريبا على اهالي المدينة. لذا اجتمع جمع غفير داخل الكنيسة المذكورة، للفرجة ومن كل الأجناس، رجالا ونساء، صبية وبنات، مسيحيين ومسلمين، حتى امتلأ (صحن) المذبح الكبير من الغرباء، وحتى زانيات معروفات قد شوهدن جالسات في البيم. والضوضاء والصخب الذي اثاره المتطفلون، منع الناس من سماع البركة التي منحها الكهنة.في السابع من شهر ايلول، وضع اعلان على باب دار الولاية، يأمر جميع سكان المدن برفع الأغطية عن رؤوسهم وبجميع انواعها.في تشرين الثاني سنة 1924م، صدر امر يشمل الأهالي (الرجال) قاطبة بلبس القبعات، وهكذا فقد لبست جميع فئات المدينة القلنسوات والقبعات.وفي 7/ تشرين الثاني ايضا اغلقت كافة النوادي والتكيات الموجودة في اسطنبول، بأمر من انقرة. كان عددها يزيد على المائتين. وفي خريف عام 1925م، غادر مار الياس بطريرك اليعاقبة، الى حلب لتكريس الكنيسة الجديدة التي شيدت هناك، ومنها توجه الى اورشليم لاصلاح امور ديرهم فيها. ذلك لأن الأسقف الذي كان وكيلا على ذلك الدير، اخذ اموال الدير وهرب عن طريق البحر الى العالم الجديد، اي الى اميركا. مما احدث ضجة كبيرة بين ابناء طائفتهم، ومن هناك ذهب الى الموصل. ولما اراد العودة الى مقر كرسيه في ماردين، منعته (تركية من دخول اراضيها) رغم توسلاته وطلباته العديدة. ولما رأى بأنه قد حرم من حق العودة الى موطنه، أكمل وجهته بالذهاب الى الملبار، وهناك ادركته المنية، فمات في الغربة.في مطلع عام 1925م، اخذت العساكر تلقي القبض على شيوخ (أئمة) المسلمين في المدن والقرى المحيطة بماردين، وتم ارسال قسم منهم الى انقرة والقسم الآخر الى آمد. ويوم السبت 6/ شباط، القي القبض على سبعة وعشرين شيخا من شيوخ ماردين. ويوم الأربعاء التالي، نقل اربعة منهم الى آمد، وهم كل من الشيخ محمد على الأنصاري، وابنه وحسين ابن عمه والشيخ بشير آل حامد، اما الباقون فقد اطلق سراحهم بكفالة.ان وجهاء مسيحيي مديات الذين ابعدوا بلغ عددهم مائني شخص من مديات وضواحيها، كانوا من اليعاقبة عدا شخص واحد بروتستانتي يدعى داود كللي، كان هذا كلداني الأصل انحاز الى البروتستانتية. وقد اعدمت السلطات سبعة منهم، شنقا في خربوط، واما الباقون فاطلق سراحهم، لعدم ثبوت اي تهمة ضدهم، (حسب ادعاء السلطات).ان شيوخ آل الأحمدي قتلوا جميعهم مع عوائلهم، وكذلك قتل آخرون من بعض المناطق الأخرى.في 5/ آذار/ 1926م، طالت يد السلطات، رؤساء ووجهاء مدينة ماردين، وهم كل من: ايوب بيك واخيه داود بيك وابن عمهما مصطفى بيك من عشيرة مللين. واما من رؤساء عشيرة مشكيا كان عزيزو ومصطفى آغا ومعهما اربعة اشخاص آخرين، احدهم من ماردين والثلاثة ألآخرين من ميديات وضواحيها. وبعد يومين من حجزهم في سجن ماردين، اقتيدوا الى آمد، والامطار تهطل عليهم، وهم مكبلو الأيدي بقيود من حديد. كان ذلك يوم السبت 7/ آذار. وفي اليوم التالي أوتي من نصيبين بسليمان مجار المارديني، والحاج ابراهيم واشخاص آخرين، وكلهم مكبلين بقيود حديدية. واقتيدوا باتجاه آمد. كان هؤلاء جميعهم قد شاركوا في سفك دماء المسيحيين الذي استشهدوا عام 1915م. وقد بلغ عدد الرجال الذين طردوا من ماردين شيوخا ورؤساء، زهاء مائة وثلاثة رجال. ومن قرية صارو سبعون رجلا.في 8/ آذار/ 1927م، اقتيد الى آمد من قرية آزخ، كهنة اليعاقبة ألأربعة مع اسقفهم الشيخ، ومعهم ايضا كاهن السريان الكاثوليك، واربعة اشخاص من رؤساء تلك القرية. اتهمتهم السلطات بأن لهم علاقة مع الموصل، اثر استلامهم بعض المعونات جاءتهم من هناك. ان الأسقف الشيخ توفي في السجن، أما الباقون فقد صدر بحقهم السجن لمدة ثلاث سنوات، عدا الشماس ملكون ابن القس توما فقد حكم عليه بالسجن مدة ثمانية عشر عاما. وفي 27/ شباط، اعدم شنقا في خربوط المحامي ملاك برصوم، احد وجهاء يعاقبة مديات. كان هذا قد هرب من السجن، فلما القي القيض عليه، امرت السلطات باعدامه.في 16/ نيسان/ 1927م، القي القبض على كاهننا الخوري سليمان كوجك اوسطا، مع رجلين آخرين من جماعتنا. وفي اليوم التالي الذي كان عيد القيامة، اطلق سراحه بكفالة. اما الرجلان الآخران فقد اطلق سراحهما بعد يومين بكفالة ايضا. وسبب سجن الخوري سليمان، كان: ان رجلا آمديا يسكن في حلب طلب منه بعضا من ذخائر والده المرحوم القس بطرس، لتتبرك بها زوجته. ولما لم يكن لديه شيءٌ منها ليعطيه، وشى هذا به لدى السلطات قائلا: بأنه يتدخل في السياسة. ولهذا السبب القي القبض عليه، ولم يطلق سراحه الى بعد ان دفع اموالا طائلة، هو وزميلاه الآخران. ورغم اطلاق سراحه ومغادرته السجن بعد ان افتدى ذاته، فقد ظل فيه هاجس الخوف والفزع. ولم تكن عيناه تعرفان النوم لا ليلا ولا نهارا، متوقعا ان يأتي العسكر في اي حين ويقلعوا باب غرفته. ولما كان على هذه الحال، متوقعا بان حياته غير آمنة، التجأ الى الهرب مجتازا الحدود. فخرج كالطير الذي أخطأه الصياد. فوصل حلب في 7/ ايلول/ 1929م. في ايلول/ 1927م، طردت نسوة وابناء اولئك الابرار الصالحين من مدينة ماردين، ليلتحقوا بازواجهن وآبائهم الذين كانوا قد طردوا قبل سنة ونصف السنة، وكذلك من المدن المحيطة بماردين مثل نصيبين وصاور وميديات وديركي وغيرها. ففرغت دورهم وقصورهم من اهاليها.في 1/ تشرين الثاني/ 1927م، اجتمع ممثلو الحكومة وعددهم 316 عضوا واعادوا انتخاب غازي مصطفى كمال (كمال اتاتورك)، رئيسا للجمهورية، بالاجماع. بعد انتهاء فترة رئاسته التي قضاها في سدة الحكم والبالغة مدتها اربع سنوات. وفي اليوم الثاني من الشهر المذكور، المصادف يوم اربعاء، كان يوما مشهودا في المدينة، اذ كان يوم فرح وبهجة، اذ اعيد تأسيس مجلس الأمة في انقرة, هذا المجلس الذي كان قد اسس اصلا في 23/ نيسان/ 1920م.وفي نهاية تشرين الثاني/ 1927م، منحت لاقطاعيي المقاطعات الشرقية حريةُ العودة الى بيوتهم ومدنهم، بعد ان كانوا قد نُفُوا الى المقاطعات الغربية من المملكة. وكذلك اطلق سراح السجناء من قطاع الطرق.وفي بداية شهر كانون الأول/ 1927م، دخل الجند دير الزعفران واستولوا عليه. وكذلك استولى الجيش على ثلاث كنائس اخرى تابعة لليعاقبة، وهي كنائس مار ميخائيل ومار بطرس ومارت شموني.تمرد اكراد بدليس وسعرد وآمد ضد حكومة انقرة. فما كان من انقرة، الا وارسلت قوات كثيرة وبصورة عاجلة، فسحقت ذلك التمرد واخمدته بسرعة واحرقوا ما يقارب السبعين قرية، ومنهم من يقول سبعمائة قرية من قرى الأكراد. وكانت النساء والاطفال وقودا للنار، اذ احرقوا في خريف سنة 1927م. ولهذا السبب فالاكراد جميعهم قد هاجوا ليثاروا للدم الذي اريق بهدف تحرير بلادهم من السيطرة التركية فلم يفلحوا بذلك. وكان هذا الاحباط ثأرا لدماء المسيحيين التي تصرخ من اعماق الأرض ثارا لهم وللدم الذي اراقوه من شدة كراهيتهم وحقدهم على المسيحية.في شهر آب/ 1928م، الزم المجلس الاعلى في انقرة، الغاء استعمال الأحرف العربية من الكتابة بالتركية، التي كانت تستعمل لهذا اليوم، والاستعاضة باللاتينية بدلا عنها. وبدات فعلا حملة تعليم لغتهم التركية باحرف لاتينية اعتبارا من تشرين الأول (1928)، في كافة المدارس. وكذلك صدر أمر بوجوب كتابة كافة المراسلات والمخاطبات بأحرف لاتينية.وفي خريف تلك السنة (1928)، هُجِّر بقية ألأرمن من مدينتي خربوط وملاطيا، واستاؤا جدا من هذا الامر القاضي بترك اوطانهم.في آمد كانوا يقيمون الذبيحة ألألهية في البيوت، لأن كنائسهم كانت قد ضبطت منهم قبل خمس سنوات. وفي 31/ اذار/ 1929م، الذي صادف عيد القيامة، ضبطت منهم جميع الدور التي كانت تقام فيها الصلوات، عدا كنيسة اليعاقبة. وبهذا بطلت الصلوات والقداديس وبقية الخدمات (ألروحية) في آمد.في 25/ كانون ألثاني/ 1929م، احتجز كاهننا القس اوغسطين خرموش لفترة سبع وعشرين ساعة، ثم اخلي سبيله. غير انه بعد يومين القي القبض عليه ثانية ولفترة ثلاثين ساعة، واخلي سبيله ايضا، وذلك في الرابع من شباط. ان مغادرته السجن لم تكن بسهولة، بل غادره بعد ان دفع كمية لا يستهان بها من الذهب، وبالذهب افتدى حياته. كما فتشت غرفته واخذت منها كافة الرسائل والمجلات التي وجدت فيها. وكذلك فتشوا دار اسقفيتنا بسببه واستولوا على كافة الرسائل والمناظرات وكتب اخرى عديدة، كانت محتوياتها مواضيع في دحض الهراطقة. ونشكر الله بأن لم تكن فيها كلمة واحدة تمس الدولة. ولما لم يعثروا عنده على شئ يدينونه فيه، نجا من هذه التهمة، غير انه انزلق وسقط في تهمة ثانية ومعه الكاهن الأرمني دير اندراؤس احمراني، اذ بها دخل السجن. وسبب دخوله السجن هذه المرة، كان: ان شابا آمديا يدعى داود اتى عند مغيب الشمس واراد المبيت عندنا. فسأله القس اوغسطين خرموش، فيما لو يحمل معه هويته ليتعرف عليه. ولما نفى وجودها، قال له القس: اذهب يا بني الى الفندق، لأن السلطات لا تسمح لنا باستضافة اي كان اذا لم يكن معروفا منا. اجابه الشاب، لا املك اجرة الفندق. حينئذ اعطاه القس خمسة عشر قرشا، ليقضي بها حاجته، فانصرف الشاب. وحينما القي القبض على هذا الشاب، ادعى بأنه من معارف القس اوغسطين، وهو الذي دفع عنه اجرة الفندق.اما التهمة الثانية فكانت: ان شابا من جماعتنا، من عائلة بوياكياجي، كان قد هرب ابان الاضطهاد الى اميركا، كتب الى القس اوغسطين ما يلي: بلغ زوجتي لو ارادت الالتحاق بي، فسأقبلها وسارسل لها نفقات سفرها، انها واختها الصغيرة ووالدتهما عند شخص يعمل طباخا ويدعى بريثمي (ابن الايتام). فان بريثمي هذا لما علم بالامر، قدم شكوى مدعيا بأن القس اوغسطين ودير أحمراني ومعهما جرجس حنجو يعملون على تهريب نسائه. فما ان بلغ هذا الادعاء مسامع الوالي توفيق هادي حتى طالب القس دير احمراني بالرحيل ومغادرة ماردين على الفور. وبهذا القرار نجاه من المقاضاة في المحكمة. واما القس اوغسطين وجرجس حنجو فقد انقذهما من السجن الوالي توفيق هادي بنفوذه، ورغم كون التهمة قوية جدا ضدهما بسبب تلك النسوة. اما القس دير اندراؤس احمراني فعدا هؤلاء النسوة، كان قد هرَّب طفلين، لذا فعقوبته كانت ستكون اشد. وقد طلب منه ان يدفع تعويضا، واذ لم يكن لديه ما يدفعه، فقد هرب الى خارج البلاد، ونفذ بجلده، بعد ان ساعده بذلك الوالي توفيق هادي، الذي كان يعطف على المسيحيين ويحبهم حبا لا مثيل له. وقد اخذ هذا الوالي تلك النسوة من الطباخ بريثمي، وارسلهن الى حلب. فما ان نجا من التهمة الثانية حتى واجهته تهمة ثالثة، بسبب مكر ودهاء شخص مارديني يدعى فرجو كياجيكو، الذي هدده بالانتقام منه ومن اخيه، ان لم يعطيا له مبلغا كبيرا من المال في الحال. فانه سيشي بهما لدى السلطات التركية. ولما كان قد نجا من التهمتين الأولى والثانية بصعوبة بالغة، راى بأن لا مناص له من الثالثة. لذا ترك ماردين للحال وهرب متوجها صوب سوريا، ومنها زار فلسطين. وكان هروبه فجر يوم الخميس 16/ كانون الثاني/ 1930م.في 10/ تشرين الاول/ 1929م، وصل ماردين كاهن ارمني غريغوري، وبمعيته اناس من ابناء طائفته قادمين من خربوط. هذا الكاهن هو آخر كاهن ارمني باق في تلك المنطقة. ابلغني قائلا: ان السلطات قد امرت جميع الارمن الساكنين في تلك القرى بهجر دورهم وترك اراضيهم واملاكهم، ونفيهم خارج البلاد، لكن حين اشهرت عشر عائلات منهم اسلامها، وعلنا امام الملأ، سمح لهم بالبقاء في المدينة وتركوا وشأنهم ولم يلقوا بعدها مضايقات.في 7/ نيسان/ 1930م، كتبت رسالة الى القس اوغسطين، الذي كان قد هرب من ماردين واقام في سوريا، فوضته فيها بتدبير الأنفس المشردة خارج الحدود التركية من ابناء ابرشياتنا من ماردين وآمد وغيرهما. كما ارتايت ان يجعل اقامته في الحسكة. وكلفته بشراء قطعة ارض هناك كي نشيد عليها كنيسة ودارا (للكاهن)، وانني سادفع كل نفقات البناء والمعيشة من عندي.في 3/ حزيران/ 1930م، حُسِمَت مشكلة الحدود بين تركيا وسوريا. وقد سلم السوريون للأتراك قرى مثل مصطفاوي وديرونه واخر حتى جنوب جزيرة ابن عمر، وبهذا فقد تراجعت الحدود السورية حتى نهر دجلة.في 17/ حزيران/ 1930م، جاءنا من عرب كير كاهن ارمني غريغوري، ومعه أهل بيته. وقام بزيارتنا حال وصوله ماردين. ونحن بدورنا مددنا له يد المساعدة اكثر مما طلب هو نفسه. وعند المساء غادرنا الى حلب.في 22/ حزيران/ 1930م، ترك القس افرام الكاهن السرياني الكاثوليكي، مقره في ميديات وعَبَر الحدود. وكان قد غادرها قبله بأربعة اشهر زميله القس داود. كان السريان الكاثوليك قد اسسوا في ميديات رسالة هدفها اعادة بني طقسهم من اليعاقبة الى الكنيسة الكاثوليكية. غير انهم فشلوا ولم يحققوا في هذا المضمار نجاحا يذكر. على عكس البروتستانت الذين كسبوا اكثر منهم.في صيف عام 1932م، بدأت السلطات بمصادرة اسلحة الأكراد الساكنين في كل القرى. وبذات الوقت كانت تعذبهم وتنكل بهم بلا رحمة ولا شفقة. خاصة أولئك الذين يرفضون تسليم ما لديهم من السلاح. حتى ان عددا منهم مات من جراء التعذيب الذي بمثله كانوا هم انفسهم (أي الاكراد) يعذبون ويضطهدون ويقتلون المسيحيين الذين لم ينجو من شرورهم حتى يومنا هذا. فهؤلاء الأكراد هم الذين كانوا قد خطفوا ابناء وبنات المسيحيين ونساءهم، ونهبوا ممتلكاتهم، وذبحوا الآلاف منهم بلا شفقة، خاصة في عام 1915م. فهكذا العدالة الالهية قد انتقمت منهم وكافأتهم بالمكافآت التي يستحقونها، وهم بعد لا يزالون احياء في هذا العالم.في ايلول/ 1932م، ضبطت المحكمة الخاصة كنيسة مار بطرس التابعة لليعاقبة في مدينة قولسي، وحولتها الى سجن خاص بمهربي البضائع.في أواخر شهر ايلول/ 1932م، زار مدينة آمد عصمت باشا رئيس النظراء، فذهب للسلام عليه عدد من الرجال اليعاقبة بصحبة كاهنهم الراهب، غير انه رفض استقبالهم، فعادوا خائبين خجلين، لأنهم كانوا يرجون من تلك الزيارة تقريب انفسهم من السلطات بمعزل عن بقية الطوائف المسيحية ألأخرى.في 19/ تشرين ألأول/ 1932م، استدعاني القوميسير الذي سألني الأسئلة التالية:س: اين هو بطريرككم؟ج: في العراق.س: مع من تتعاونون؟ج: لسنا متعاونين مع اية جهة.س: يا ترى هل لديكم تعاون مع اسطنبول، اي مع القاصد الرسولي؟ج: ابدا.س: وهل لديكم تعاون مع البابا؟ج: لا.س: كم كنيسة لديكم؟ج: كنيسة واحدة فقط.وان هذه الأسئلة مع اجوبتها قد سجلتها بكراس.وفي 15/ تشرين الثاني/ 1932م، سأل القوميسير، في آمد كاهننا القس طيمثاؤس فضلي ايضا الأسئلة التالية:س: متى قدم الآثوريون والكلدان الى هذه البلاد؟ج: انهم قد استوطنوا هذه البلاد منذ القدم، وليسوا من المهاجرين اليها.س: متى اعتنق الكلدان الديانة المسيحية؟ج: ان جماعة من رسل المسيح ربنا، ومن تتلمذ على ايديهم اتوا هذه الديار وتلمذوهم.س: بأية لغة يتكلم الكلدان؟ج: في الأجيال الأولى وحتى مجئ العرب كانوا يتكلمون بلغتهم الكلدانية، وحافظوا عليها لأجيال عديدة.س: والآن بأية لغة يتكلمون؟ج: في اللغة العربية والتركية.س: لماذا يتحدثون بالعربية وليس بلغتهم؟ج: بعد غزو العرب لبلادنا، ادخلوا معهم لغتهم فأزاحت باقي اللغات. وكان هذا سببا في اهمال الكلدان لغتهم الأصلية.س: في اي لغة تقيمون صلواتكم في كنائسكم، وهل يا ترى ان الشعب يفهم لغته الكلدانية؟ج: ان الانجيل وبقية الكتب الطقسية الأخرى والتركامات تتلى باللغة التركية في آمد. اما الكاهن فانه يستعمل اللغة الكلدانية عندما تكون الصلوات خاصة به.س: اين توجد الأكثرية من الكلدان والآثوريين؟ج: في العراق.س: اية سلطة يفضل الآثوريون والكلدان وما هي آراؤهم؟ج: في الواقع لا اعرف ذلك، لأن ليست لي اية صلة بهم.س: اين هو رئيس قومكم، اعني البطريرك؟ج: في بغداد اوالموصل.س: وهل توجد اتصالات ومراسلات بينكم وبينه؟ج: في الحقيقة ليست بيننا وبينه اية اتصالات. وقد انقطعت منذ ان انفصل العراق عن تركيا.س: اذا حدث وصارت لكم شؤون روحية او مدنية، فالى من تتوجهون؟ج: في الشؤون المدنية نلجأ الى السلطات المحلية. اما في الروحية منها، فنلجأ الى مطراننا الذي في ماردين.س: اذا كانت لكم مدارس، فبأي لغة تعلمون؟ج: ان مدارسنا قد اغلقت منذ ما يقارب الخمسة عشر عاما. وحينها كنا نعلم باللغات التركية والكلدانية والفرنسية.س: والآن اين يتعلم اولادكم؟ج: انهم يتعلمون في المدارس التركية.س: ما هي الفوارق بين السريان والكلدان، أهي عرقية ام عقائدية، وما هي لغتهم؟ج: ان الفارق العقائدي الذي بيننا هو اننا كاثوليك اما هم فليسوا بكاثوليك. أما من حيث العرق أي (ألقومية) فاننا جميعنا ابناء قومية واحدة ولغة واحدة، بفارق بسيط جدا من حيث اللفظ ورسم الحروف.س: كم هو يا ترى عدد الكلدان في سوريا ومتى استوطنوا تلك البلاد؟ج: لا علم لي بعددهم، ولا بزمن استيطانهم فيها.في شهر ايلول/ 1933م، وضعت البلدية يدها على اوقاف كنيستنا في ماردين، والمشيدة على اسم ربان هرمزد. كانت هذه الكنيسة قد شيدت في نهاية الجيل السابع الميلادي. فقدمنا شكوى ضد البلدية عند مدير العقارات. ومعنا ايضا الأرمن الكاثوليك، الذين ضبطت اوقاف كنيستهم مع اوقاف كنيستنا. وفي يوم الأحد التاسع عشر من تشرين الثاني، ابلغنا بالقرار الصادر من مديرية العقارات والذي يبرر عمل البلدية، ويسقط حقنا من المطالبة بتلك العقارات. وعلى اثر هذا القرار قدمنا شكوى الى رئيس مجلس الأمة واخرى الى رئيس مجلس الوزراء. وفي شهر آذار من عام 1939م، صدر أمرٌ يقضي باعادة املاكنا كاملة وادانة البلدية.في ايلول/ 1934م، هُدمت خمسُ من الغرف الملحقة بكنيستنا التي في ماردين، مع اثني عشر حانوتا بحجة توسيع الشارع. فكانت خسارتنا جراء ذلك كبيرة.في 5/ ايار/ 1935م، صدر مرسوم جمهوري في انقرة يقضي باعتبار يوم الاحد من الآن وصاعدا، يوم عطلة رسمية في جميع انحاء الجمهورية التركية، بدلا عن الجمعة، التي كانت قد جعلت عطلة رسمية حسب المرسوم الصادر في 6/ شباط/ 1924م، وفي يوم الأحد الثاني من حزيران من ذات السنة، اعلن رسميا بأن يوم الأحد يعتبر عطلة رسمية وفيه يجب ان تغلق الحوانيت والأسواق وتعطل دوائر الدولة. ان هذا المرسوم لم يرق للمسلمين، اذ استاءُوا كثيرا وزعموا بأن الدولة تعيد (انظمتها) حسب عادات وتقاليد المسيحيين، وتترك عاداتهم جانبا، قائلين: ان الدولة تنظر الى الامور بالمنظور المادي، وليس كما تفرضه اعراف الشريعة (ألأسلامية).سنة 1924م، خلغ الخليفة عبد المجيد، وابطلت المناداة باسمه (في الصلاة) وطرد هو وكل بني عثمان من القسطنطينية (اسطنبول)، وعددهم اثنان وسبعون شخصا كان وحيد الدين آخر سلاطين آل عثمان، فبعد ازاحته عن العرش، فر هاربا الى ايطاليا، حيث دس له صهره السم بالاتفاق مع طبيبه الخاص، لكي يستولي على امواله. وقد نقل جثمانه الى دمشق حيث دفن. لأن السلطات التركية الجديدة منعت اعادة جثمانه الى موطنه. وهكذا كانت نهاية الامبراطورية العثمانية، التي تاسست سنة 1299م، في مدينة قونيا. وفي سنة 1413م، استولت على القسطنطينية (اسطنبول)، التي جعلتها منذئذ عاصمة لمملكتهم. فجلس فيها السلاطين وخلفاؤهم الواحد بعد الآخر حتى سنة 1924م، وقت استبدل نظام السلطان، بنظام جمهوري برلماني الذي كان برئاسة مصطفى كمال باشا في انقرة. وجعلت انقرة العاصمة الجديدة للجمهورية التركية.في تشرين الثاني/ 1925م، صدر امر من انقرة، يلزم الجميع الاقلاع عن ارتداء الملابس الطويلة، والاقتداء بالأزياء الاوربية، اي السترة والبنطلون. وكذلك باستعمال القبعات كالأوربيين. وكل من يعصى هذا الأمر ولا يمتثل له سيعاقب. ان هذا الأمر عز جدا على المسلمين، وزعموا بأن هذا القانون هو ضد ديانتهم. فتساءلوا لماذا نرتدي القبعات؟ لكنهم في نهاية الأمر اذعنوا لهذه الأوامر مكرهين. اما بالنسبة للنسوة فقد شملهن هذا القرار ايضا. اذ الزمهن بالقاء اغطية الرأس ورفع الحجاب عن وجوههن. والمسيحيات غيرن زيهن للحال، غير ان المسلمات ابدين عصيانا، اذ اعتصمن في بيوتهن، ولم تكن تُشاهدن خارج منازلهن. واخيرا وبعد ثلاث سنوات من العصيان والاعتكاف في البيوت، امتثلن لذلك القرار وعملن به.في 13/ حزيران/ 1935م، صدر امر من انقرة يحرم على رجال الدين دون استثناء، أكانوا مسلمين ام مسيحيين ام يهوداً، استعمال الزي الخاص بهم، في الاماكن العامة والشوارع، وسمح لهم باستعماله فقط في دورهم وفي دور العبادة فقط. وعليهم ارتداء الزي الخاص بعامة الشعب، خارج الكنائس ودور العبادة. وقد استثنى من هذا القرار فقط بطريرك الروم الأرثدوكس ومقر كرسيه في اسطنبول/ الفنار. وان الذي لا يلتزم بهذا القرار، فعقوبته هي النفي الى خارج البلاد.في شتاء/ 1937م، هدمت كنيسة الآباء الكبوجيين التي في ماردين، حتى الأسس، وكذلك كان حال ديرهم ودير الراهبات الكبوجيات المجاور لتلك الكنيسة، اضافة الى مدرستهن التي كانت تضم بين جدرانها زهاء ثمانمائة تلميذة، كن يتعلمن فيها ايضا مهنة الخياطة والتطريز.في صيف/ 1936م، اخرجت من آمد عائلة جميل باشا، ومعها جميع اقاربهم ومعارفهن البالغ عددهم قرابة الاربعين بيتا. ويقال ايضا بأن اكثر من ثلاثين بيتا من مسلمي المدينة واربعة بيوت مسيحية، اثنان من اليعاقبة واثنان من الأرمن الكاثوليك، وكاهن واحد للأرمن الارثدوكس، طردوا الى خارج البلاد. اما من القرى التابعة لآمد، فقد طرد ايضا كثير من رؤساء (آغوات) ألأكراد، في شتاء وربيع سنة 1937م. كما القي القبض على عدد كبير من رؤساء الأكراد من القرى المحيطة بماردين. وذبحت غالبيتهم على قارعة الطريق الذي بين ماردين وآمد. وأما من تبقى منهم فقد أخذ الى آمد.في شهر ايار/ 1937م، حصل تمرد ضد انقرة في جبل درسيم المتاخم لحدود اقليم فارس (ايران). والذين قاموا بهذا التمرد كانوا من سكانه الاكراد. فأرسلت لقمع هذا التمرد قواتٌ كثيرة. وقد تم فعلا القضاء على هذا التمرد، ومقتل معظم المتحصنين بذلك الجبل، وذلك بواسطة الطائرات. وبين فترة واخرى يظهر امثال هؤلاء ويعلنون تمردهم ضد الدولة. لكنهم لم يفكروا ولم يخطر على بالهم بانهم لن يتمكنوا من مقاومة من يملكون طائرات، والتي بامكانها التوغل في المناطق النائية، والقذف بحممها من ألأعالي، فوق القلاع والحصون دفعة واحدة، فتدمرها وتهلكها مع ساكنيها.بهذا انتهى وكما جاء في الكتب: ’’طوبى للمظلومين، والويل الويل للظالمين. الشهداء في الجنة خالدون، اما القتلة ففي الظلمة المقيتة‘‘.هذه آية ثانية: ’’كل واحد ينال جزاءه حسب اعماله، وثوابه كأفعاله‘‘.انتهى بعون الرب (كتاب) تاريخ اضطهاد وقتل المسيحيين ومن كل الطوائف، الذي جرى خلال الحرب العالمية الأولى، التي استعرت نارها في 29/ تموز/ 1914م، وتوقفت في نهاية تشرين الأول / 1918م. وهو من وضع المثلث الرحمات مار اسرائيل اودو الألقوشي رئيس اساقفة ماردين على الكلدان.استنسخه القس ابلحد كيوركيس الهوزي، وانتهى منه يوم السبت التاسع والعشرين من كانون الثاني سنة 1973م.ولله المجدنسخت هذه المخطوطة عربون المحبة الأخوية، انا القس ابلحد الهوزي للشماس هرمزد كادو، لتكون علامة وذكرا ابديا، اينما كان.ذكرا صالحا يكون للصدِّيق. نبذة عن سيرة مار اسرائيل اودوولدت انا اسرائيل اودو مطران ماردين، في القوش في مقاطعة الموصل. ضحى يوم عيد التجلي السادس من آب سنة 1859م. في سنة 1879م، التحقت بالمدرسة الكهنوتية البطريركية في الموصل. وبأمر من السعيد الذكر مار ايليا الثاني عشر البطريرك، رُسِمتُ كاهنا في 2/ ايار/ 1886م، بوضع يد البطريرك المذكور. وفي التاسع من نيسان سنة 1888م، اخذني بصحبته الى بغداد. وخلال مكوثنا في بغداد الذي دام سنة واحدة، وضع اثناءها بيده الحجر الاساس للكنيسة الكبيرة في المدينة (كنيسة ام الأحزان، في منطقة عقد النصارى في بغداد ، وذلك في منتصف شهر آذار من سنة 1889م. ثم عاد هو الى الموصل بوداع حافل. أما انا فقد كلفني بخدمة الكنيسة في بغداد.في نهاية تشرين الثاني من سنة 1891م، أمرني بالذهاب الى البصرة لخدمة جماعتنا الصغيرة هناك. وفي 21/ تشرين الأول/ 1898م، سافرت الى بومباي (في الهند) للسياحة، بأمر من السعيد الذكر البطريرك مار عبديشوع (خياط). ومن هناك وبعد ان تجولت في تلك الأمصار، عدت ثانية الى البصرة. وفي البصرة شيدتُ كنيسة واحدة جميلة على اسم مار توما الرسول. وقد اعطيت نصف نفقاتها من مالي الخاص. كما بنيت مدرسة واحدة للبنين، مع دار لاقامة الكهنة. وقد لاقيت في هذا العمل صعوبات واتعابا جمة لا توصف. وفي مدينة العشار المجاورة للبصرة، لم تكن لدينا كنيسة، لذا فقد بنيت فيها كنيسة صغيرة على اسم العذراء مريم. وبعدها اشتريت دارا مجاورة لها وجعلتها مدرسة. وان اول كاهن خدم فيها كان القس (فيما بعد المطران) يوحنان نيسان. وايضا طلبت كاهنا آخر ليخدم جماعتنا التي في ألأهواز، وارسلته على نفقتي الخاصة أول الأمر. وفي سنة 1910م، أُنتُخِبْتُ مطرانا لأبرشية ماردين، ورُسِمتُ مطرانا في 27/ شباط/ 1910م، بوضع يد صاحب الغبطة مار عمانوئيل الثاني توما البطريرك الكلي الطوبى، في كنيسة الكرسي (كنيسة الشهيدة مسكنته في الموصل). وذهبت الى ماردين التي دخلتها في التاسع عشر من آذار سنة 1910م.سنة 1914م، سافرت الى الموصل بأمر من البطريرك لانتخاب اسقف لأبرشية سنا في ايران. والأسقف المنتخب كان القس يوحنان نيسان كاهن كنيسة العشار في البصرة. واليوم (بعد ان اعفي من ابرشية سنا) هو اسقف ابرشية زاخو. وفي شهر حزيران غادرت الموصل متوجها الى بغداد، حيث بقيت فترة من الزمن بسبب أحداث شغب حدثت هناك . وفي نهاية تموز عام 1914م، اعلنت الحرب العالمية (ألأولى). وفي شهر شباط عام 1915م، بصعوبة بالغة جدا استطعت الخروج وكأنني الطير الذي نجا من الفخ، وهكذا اتجهت صوب ماردين.في بداية حزيران عام 1915م، بدأ سبي واضطهاد وقتل المسيحيين في ماردين وضواحيها، كما رويناه فيما سبق شعراً ، ثم نثراً . اذ من هذه الاحداث يستطيع القارئ ان يدرك هول الصعوبات والعذابات المختلفة الصنوف، التي قاساها (المسيحيون) في تلك الأزمنة الصعبة. كم من المرات استولت السلطات العسكرية (والمدنية) على كنيستنا مع الغرف الملحقة بها، عدا الطابق العلوي الذي تركوه لاقامتنا.تقلص كثيرا عدد (ابناء) طائفتنا الكلدانية في هذه المدينة (ماردين) بسبب احداث الاضطهاد. اذ لا يكاد يبلغ عدد البيوت الكلدانية الآن خمسة وعشرين بيتا. وحتى البيوت هذه فهي كلها مشتته هنا وهناك في كل ارجاء المدينة. وأغلبهم لا يأتون الى الكنيسة، اذ تبدو الآن فارغة حتى ايام الآحاد والأعياد. وقد استرجعتها من يد السلطات العسكرية مرات عديدة. لكن مصيرها في النهاية، لا بد ان تستولي عليها السلطات العسكرية، مع ملحقاتها كلها، عاجلا ام آجلا. وحينئذ سيكمل نزف الابادة وازالة اسم الكلدان من ماردين، كما ازيل من الجزيرة وسعرد، كما وسيمحي قريبا من آمد.ان الكهنة جميعهم تركوني وهربوا الواحد بعد الآخر، وانني محروم من مسامرة انسان في معظم الليالي. فرجائي هو المسيح.توفي المطران اسرائيل اودو في 25/ شباط/ 1941م، في ماردين ودفن في كنيسة مار هرمزد، كنيسة كرسي ابر