Changes
== توطئة المؤلف==
حروب كثيرة دارت رحاها بين البشر (الأمم والشعوب) ، منذ بداية العالم وليومنا هذا، سفكت فيها دماء غزيرة جرت كالأنهر. وازهقت انفس لا حصر لعددها. كحروب اسكندر المقدوني مع كل من الرومان والبربر، والفرس والهنود. ونابليون مع الأمم الأوربية الأخرى. غير ان الحرب الأخيرة المسماة بالعالمية، والتي اندلعت شرارتها في نهاية تموز من عام 1914م، بين النمسا وصربيا اللتين منهما استشرت نارها كالبرق في الغابة الكبرى، غابة الدول القوية في اوربا ودول البلقان. هذه الحرب التي فاقت (بشاعتها) كل الحروب التي سبقتها، وعلى مدى تاريخ البشرية. اذ اتت على دمار كبير في المعمورة، بحيث لم يتمكن العقل البشري من حصر اضرارها المادية ولا خسائرها البشرية. فرغم كون اضرارها محصورة (بصورة خاصة) في اواسط اوربا، الا ان شرارتها طارت واوقدت اوطاننا (الدولة العثمانية) فاقتنصت نارها واحرقت على وجه خاص الشعب الارمني العريق الضاربة جذوره في ارض بلاد الأناضول منذ اقدم الأزمان (وفي هذه الايام) ضمن حدود الامبراطورية العثمانية وغيرها (اي روسيا). وقد بدأ اضطهاد هذا الشعب البائس في ربيع عام 1915م. وانتقلت شرارة هذا الاضطهاد الى الشعب الآرامي الساكن في سعرد وآمد (دياربكر) والجزيرة (جزيرة ابن عمر ـ بيث زبدى) وماردين وما حولهم من المدن والقرى، ذلك للتداخل الحاصل بين (المسيحيين من اهالي) تلك المدن والقرى.
ان قتل الأرمن الكاثوليك من آمد وماردين وضواحيها، رجالا ونساء وابناءهم جميعا، تم دون محاكمات اصولية ، وبلا اي ذنب او جرم اقترفوه ضد المملكة أو قوانينها. انهم قتلوا فقط، كونهم مسيحيين لا غير. فجميع هؤلاء أسميهم شهداء في الكنيسة الكاثوليكية . ويجب ان يُحصوا في صف مواكب الشهداء، لأنهم من اجل ايمانهم المسيحي، سفكت دماؤهم الطاهرة في القرن العشرين.
== مقدمة ثانيةفي سبب اضطهاد الأرمن والكلدان والسريان==
وبعد التمحيص وقفنا على السبب الواهي الباطل، الذي اتخذ ذريعة لاضطهاد الأرمن وابادتهم. اذ كانوا قد طالبوا بحريتهم. غير اننا لم نستطع ان نرى اية ذريعة مهما بلغت من التفاهة لاضطهاد الآراميين، الذين امتزجت دماؤهم مع دماء الارمن، وفي نفس الزمان والمكان والمصير وبدون اي تمييز، رغم كونهم ابرياء من ذنب اولئك (ان كان لهؤلاء اي ذنب)، لكنهم واجهوا المصير ذاته. والسبب لأنهم كانوا موضع حسد السلطات المدنية . لم ولن نجد لا نحن ولا غيرنا، مهما حاولنا البحث، لا في الماضي ولا في الحاضر، ذنبا اقترفه هذا الشعب الصغير البائس المتشتت، ولا عصيانا او تمردا او مقاومة، ولا حتى اساءة مهما كانت صغيرة بحق الدولة وانظمتها أو امرائها او سلاطينها، صغارا كانوا ام كبارا، في اي مكان وزمان. ولا حتى ضد مواطنيها ورعاياها، اذ معهم وبينهم ينتشر ويسكن الشعب الآرامي، منذ ان جاء الأتراك والأكراد واحتلوا بلادهم. كان باستطاعتهم اتهامهم بتلك التهم وتعظيمها مهما بلغت تفاهتها، لينالوا مآربهم الشريرة. أية مقاومة ابداها يا ترى هذا الشعب الذي كان مضطهدا ومغموما منذ مجئ هذه الأقوام واحتلالها لبلادنا، اذ كان ولا يزال شعبنا المسيحي، كالخراف بين الوحوش الكاسرة والحملان بين الذئاب، وبسببهم فان كثيرين قضوا شهداء، ناهيك عن الذين ورد ذكرهم في كتب التاريخ القديم والحديث. ان الأمراء والحكام لا يملكون ما يبررون به ساحتهم من هذا الاضطهاد اذ يقولون: ان الذين قتلوا من المدن والقرى كانت زلة من القتلة وغلطاتهم. لأن الأكراد ولخبثهم المعروف، ابادوهم بينما نحن منشغلون في الحرب. ان هذا العذر غير المبرر والضعيف والتافه ليدعو الى الضحك والسخرية. وهذا الادعاء السخيف، لن يقتنع به حتى الاطفال الأبرياء، لأن اللجنة التي اصدرت اوامر الترحيل والاعدامات كانت مؤلفة من رؤساء المدينة وحكامها. وقد رأينا بأم عيننا كيف كانوا يجمعون من شوارع وحوانيت وساحات المدينة، المجاميع من ابنائنا من الكلدان والسريان والطوائف المسيحية الأخرى. فمن الكنائس اخرجوا الكهنة والشمامسة والقوهم في السجن. وبعد ان اساموهم هناك انواعا من العذابات، ذهبوا بهم الى خارج المدينة وقتلوهم بأمر من حاكم المدينة الذي كان ماردينيا. هذا ما يخص اهالي مدينة ماردين. وفي آمد (ديار بكر) فان خمسة وثمانين بيتا برجالها ونسائها واطفالها، كانوا قد اقتيدوا ضمن قافلة واحدة وقتلوا. وكانوا قد اتوا بهم الى ماردين ووضعوهم في كنيسة مار كوركيس التي للأرمن، وكان من بينهم كثيرون من الكلدان ومنهم شقيق القس سليمان كوجك اوسطا احد كهنتنا الكلدان في آمد، مع افراد عائلته ووالدته العجوز. وقد استطاع هذا أن يأتي عندنا برفقة حارس، كانت له به معرفة جيدة. وهو الذي ابلغنا بذلك. وعن لسانه قدمنا عريضة الى المتصرف مبينين فيها بان ضمن القافلة من هم من الكلدان. وان الأوامر لا تقضي بقتل الكلدان، حسبما ورد في البيان الذي قرأه المنادي. وقد توسلنا به بأن ينظر بعطف في امر هؤلاء ويطلق سراحهم، لكنه رفض الطلب. اما في نصيبين والجزيرة وميافرقين وسعرد ومدن اخرى، فان الأمراء والحكام والعساكر الذين في تلك المدن وبالاشتراك مع الأكراد الذين اتوا بهم من الجبال فقد اخرجوهم من بيوتهم رجالا ونساء واقتادوهم خارج المدن وقتلوهم. غير ان العسكر وبأوامر من الحاكم اخرجوا اولا الرجال من البيوت وسجنوهم وكذلك سجنوا النساء والاطفال ثم ذبحوا منهم، ومنهم من سبي واستعبد. فاليك ايها القارئ اللبيب ما يقوله اهالي ماردين: ان الكاثوليك هم من اتباع البابا، واعداء للمملكة وخونتها، ولهذا امرنا بابادتهم!! وبما ان اليعاقبة (السريان الأرثدوكس) ليسوا موالين لأية جهة اجنبية منذ بدايتهم، لذا فهم من احبائنا وفي حمانا. وعليه قد حافظنا عليهم ولم يُمَسَُوا بأذى، داخل المدينة كما فعلنا بأولئك المسيحيين من غير اليعاقبة. وبعد ان هدأ الاضطهاد واوقف السيف، فان الرجال والنساء من اكراد ماردين أخذو يحثون ويهددون المسيحيين، رجالا ونساء ممن نجوا من المذابح، لنبذ المسيحية واعتناق الاسلام، ولن يكون مصير الرافضين غير الموت.