Changes

Jump to: navigation, search
==القسم الأول==
*[[''' الفصل الأول]]'''
في شباط سنة 1915م، أي بعد سبعة أشهر من بدء الحرب العالمية (ألأولى)، صدر أمر يقضي باعفاء كافة المسيحيين من مناصبهم التي يشغلونها في دوائر الحكومة، وعلى كافة المستويات، في الأراضي العثمانية كلها. ثم صدر امر شديد اللهجة يلزم المسيحيين كافة، بتسليم جميع ما بحوزتهم من الاسلحة والأعتدة، وخلال ثلاثة ايام فقط. وعلى اثر هذا قام العسكر بمداهمة دور المسيحيين تحت ذريعة البحث عن الأسلحة المخبأة، فأخذوا يضربون النسوة ويسخرون ويستهزئون بهن، كما اخذوا يحفرون في باحات الدور وفي الكنائس وحتى في المذابح المقدسة المكرسة لتقديم الأسرار الالهية، ويهدمون الجدران ويقلعون الأسس، ولم يحصلوا على شئ. ذلك لأن لم يكن للمسيحيين ايُ سلاح. وفي شهر آذار من تلك السنة، جاء الدكتور رشيد من الموصل بعد ان اعفي من حكم ولايتها، فعين حاكما لولاية آمد. فما ان وصل هذا الطاغية، حتى سعى لتطبيق آراء جميعة الاتحاد (والترقي) التي دعت الى ابادة الأرمن، كما سنرى بين طيات هذا الكتاب. فان هذا الرجل، اي د. رشيد، منح صلاحيات، كانت سرية ومهمة للسيد حلمي متصرف ماردين، طالبا منه العمل بموجبها. أي ابادة أرمن ماردين وضواحيها بلا تمييز. وبما ان هذا الرجل (أي حلمي بيك)، كان عادلا ونزيها، طلب ايضاحا اكثر، ولم يرغب في المشاركة باراقة الدماء الزكية. فكتب بكل ما اوتي من قوة للحاكم بالاضافة الى انه قابله شخصيا مرات عديدة موضحا له بأن هذه الأوامر والتعليمات لا تعني كل مسيحيي ماردين، لابل انهم يستنجدون به ولا يملكون اي سلاح. كما انهم يختلفون بالقومية عن الأرمن الذين يخالفونهم حتى في معتقداتهم. وفي الأخير حين رأى ان مساعيه، إن كانت بزياراته الخاصة وتوسلاته، او بمكاتباته وبرقياته التي كان يرسلها الى الوالي، تبوء بالفشل ولا فائدة ترجى منها، طلب اعفاءه من منصبه. فقبل طلبه، وعين بدلا عنه شفيق بيك الذي نقل من ولاية وان. وكان مطلعا على القلاقل التي حدثت في ماردين، يوم كان متصرفا على ماردين ، قبل ان يتولى متصرفيتها ’حلمي بيك‘. ولكون شفيق بيك صديقا حميما لحلمي بيك ورجلا عادلا لا يرضى بالظلم، ولم يشأ الانزاق والمشاركة في هذا الجرم والاضطهاد الكبير، طلب هو الآخر اعفاءه من هذا المنصب، ونقل على اثرها الى بغداد بوظيفة كاتب الولاية. واقيم بدلا عنه بدري بيك الذي على يده كانت المأساة. حينئذ ارسل رشيد ياوره (وصيفه) توفيق بك الجركسي ، ومعه ممدوح قوميسير (مدير شرطة) آمد. وامرهما بأن يطلبا من اهالي مدينة ماردين، ان يُدِلُّوهما على حوالي عشرة اشخاص من الأرمن والذين لهم كلمتهم بين قومهم، ثم يلقيا القبض عليهم. كان رشيد يعتقد بأن اهالي ماردين من المسيحييين والمسلمين، يعيشون بمحبة ووئام منذ القديم، ولا توجد بينهم اية خلافات او انقسامات ولا عداوات، وعليه لم يكن يتوقع موفداه وهما في طريقهما الى ماردين، النجاح في مهمتهما. غير انهما بوصولهما ماردين واجتماعهما بالمسلمين من رؤساء واشراف ورؤساء عشائر مدينة ماردين، كذَّبَا تكهناتهما، اذ لم يكن اؤلئك الذين اجتمعوا بهم، مستعدين على تسليم الأشخاص العشرة الذين طلبوا منهم الاشارة اليهم من رجال الأرمن الكاثوليك، بل كانوا على اتم الاستعداد على تسليم كافة مسيحيي ماردين وضواحيها للموت. وهذا اثلج صدريهما، فشكلا لجنة مؤلفة من اربعين شخصا من مسؤولي وأشراف ورؤساء عشائر ماردين برئاسة عبد القادر باشا الحاج كوزي ومفتي المدينة المدعو حسين، ورئيس الحامية خدر كوميري وآغوات عشائر كل من شهتانا وميلالي والحاج كرمو وآشايا ومنديكانية وميشكاوية، فالعشائر الثلاث الأخيرة هي من العشائر الكردية التي تسكن ماردين منذ زمن بعيد. هذه اللجنة هي التي أصدرت اوامر واحكام ابادة الرجال والنساء وكيفية تصفية تلك الأنفس الكلية الطهر والنقاوة. ولتنفيذ قرارات ابادة المسيحيين، كلفت اللجنة للقيام بهذه المهمة الدنيئة، عددا من الرجال ممن تزيد اعمارهم على الخمسين عاما، كون الذين اقل من هذا العمر كانوا قد اخذوا جنودا وسيقوا الى جبهات القتال، وقتلت غالبيتهم. وقد هيأوا هذه المجموعة لتنفيذ المجزرة، بأمر خدر كوميري رئيس الحامية. وهو الذي اعطى الأوامر للقتلة الذين كانوا ايضا من اهالي مدينة ماردين، لتنفيذ المجازر بحق المسيحيين اصحاب البلاد الاصليين.
*[[''' الفصل الثاني]]'''''' في القاء القبض على الأساقفة والوجهاء'''
عصر يوم عيد الجسد الذي صادف 3/ حزيران/ 1915م، القي القبض على مار اغناطيوس مالويان رئيس اساقفة ماردين وتوابعها للأرمن الكاثوليك، المارديني المولد. رجل غزير العلم والمعارف، وذو كلام فصيح بليغ، كان وقتئذ في العقد الخامس من عمره. ومعه ايضا كاتم اسراره (سكرتيره الخاص) القس بولس سنيور الشاب المهذب المثقف. وفي اليوم التالي القوا القبض على كل رؤساء ونبلاء ووجهاء الأرمن والسريان والكلدان، اذ بلغ عددهم الخمسمائة وشخصين، ومن بينهم كهنة الأرمن والسريان الكاثوليك. فاخذوا يعذبونهم لانتزاع اعترافات منهم عن اماكن خزائنهم، لأنهم فتشوا في الدور وحفروا في الكنائس وأزالوا الأسس والجدران وفتحوا القبور وحتى توابيت الأساقفة المدفونين في الكنائس، ولم يعثروا على شئ. غير ان اظهار رسالة من شخص ارمني يدعى سركيس، مرسلة الى المطران مار اغناطيوس مالو، جاء فيها: ها اننا قد هيأنا البنادق مع العتاد، وقد اشترينا منها حوالي الستة احمال . وسنكون قريبا عندك مع السلاح. هذه الرسالة كانت ذريعة واجبة لادانتهم وقتلهم. وبما ان ذلك السجن لم يسعهم فقد عزلوا منهم عددا غير قليل وحجزوهم في مستودع كان قد افرغ للتو، وكان مملوءا من العفونة والسوس والديدان والقمل، اذ لم يكن في ذلك المستودع فتحات كافية لتغيير الهواء وسحب الروائح المتعفنة، وادخال الهواء النقي، عدا فتحتين في الأعلى عند السقف. وعليه فقد نتنت الروائح وتقززت في ذلك المستودع، اذ لم يكن باستطاعة انسان ان يتنفس بصورة جيدة. وفي تلك الهوة القي الذين يُسَبِّحون المسيح من اهالي ماردين، لفترة بلغت اسبوعا واحدا. وكان الأرجاس يخرجون الكهنة كل يوم ويأمرونهم بكنس أزبال ساحة القلعة وتنظيف مراحيضها، تحت سيل من الشتائم والمسبات والضرب المبرح ونتف اللحى والبصق في وجوههم، هذا نهارا، اما في الليل فيأخذونهم الى السجن التحتاني حيث كان المطران مار اغناطيوس مالويان ورفاقه مسجونين، فيسومونهم اصناف العذاب، اسوة بالمطران. اذ كانوا يخلعون عنهم ملابسهم ويعلقونهم ويضربون اجسادهم العارية بالعصي. ومنهم من كان يضرب على اصابع قدميه، بعصي طرية وذات نتوءات، هذا ناهيك عن الفلقة. ولم يتوقفوا عن تعذيبهم حتى يروا الدم يتدفق من اجسامهم. وبسبب قساوة التعذيب الذي كانوا يتعذبوه فان عددا منهم لم يستطع احتماله، فلقوا حتفهم من شدة الآلام، وآخرون صبوا النفط في افواههم فاحترقت.